في
الحقيقة أن سرّ الكتاب المقدس والذي هو عينه سرّ تجلي الله وظهوره
ومعاملته معنا ، يظهر على وجه الخصوص في سرّ تجسده العجيب ، هذا السر الذي
أعثر الكثيرين وبخاصةالذين يقيسون أمور الله بالعقل والتعقل ويخضعوها للفكر ويقوما
بفحصها فيقعون فريسة لنظرية المعقول والغير معقول ، ويخضعوا عمل الله
لفكر العقل والتحليل المنطقي ، فيتجهون للتفسير الحرّ للكتاب المقدس دون الدخول لعمق سرّ الله بإلهام الروح القدس ، بالإيمان والمحبة في
سرّ حياة التقوى ولقاء محبوب النفس في جو الصلاة الممتلئ من حضور الله
الحلو فاتح عين القلب ومُنير الذهن إذ يشرق كشمس تبدد ظلمة النفس وتُنير
الذهن وتعطي قوة شفاء دائم ومجد لا يزول !!
وأصبحوا
– بلا وعي روحي أو إدراك – يكتشفون كلمة الله تحت المفهوم الشخصي
ويخضعوها لتفكيرهم الحر وظنهم الخاص ، ووضعها تحت فحصهم العقلي ، وما درسوه
من معطيات المنطق ، [b]فيخرجون بما هو معقول ويتناسب مع فكرهم الخاص والشخصي جداً ليتناسب مع الناس ليجعلهم مقبولين عندهم ويمجدون علمهم ويعجبون بشخصيتهم !!
فمعقول
أن الله اتحد بنا اتحاد حقيقي ، ومعقول أن الإنسان يكون له شركة مع
الله في المسيح !!! أي يكون أهلاً للحياة مع الله في شركة المحبة ، هذا
غير معقول ، وهل من المعقول أن نأكل جسد الرب ودمه المتحد بلاهوته ونصير
واحداً معه نثبت فيه وهو فينا ، هذا غير معقول بالمرة !!! يا للعثرة التي
تذكرني بقول التلاميذ : " فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا إن [b]هذا الكلام صعب من
يقدر أن يسمعه " ( يو6: 60 ) ، ونفس ذات القول يقال - اليوم - كما هو عند
سماع الحقائق الإلهية بعقل تكسيه ظلمة عدم الاستنارة والفهم الروحي
بالإلهام الإلهي وانفتاح البصيرة لترى الحق مُعلن في المسيح يسوع الذي
يُشرق بصلاحه على النفس فترى ما لا يُرى بالإيمان
مشكلة عثرة العقل البشري هو الهبوط بالإلهيات إلى مستوى الجسد ،
أي مستوى الزائل ، أي الأمور المحسوسة التي لا يقدر أن يرتقي بها للإلهيات
، ومن هذا المنطلق الضعيف الذي للإنسان قد أنطلق في الشرح والتفسير ،
فقد ذهب البعض بالرمزية لجسد الرب ودمه أو مجرد التشريف ، والبعض الآخر
أنه – حينما نتناوله – فأننا نتحد بناسوته وبذلك يُنادى أننا نتناول ناسوت
فقط رغم المفارقة المدهشة بالاعتراف – في نفس ذات الوقت – بأن لاهوته لم
يفارق ناسوته لحظة واحده ولا طرفة عين ، كاشفاً عن تناقض غريب وعجيب جداً
بين القول كمجرد قول وبين الإيمان الحي الفعال ، والبعض الآخر يقول أنه
مجرد ذكرى ، معتمداً على الترجمة باللغة العربية ومؤكداً عليها ... الخ
هذا
يجعلنا نرى الليل الذي غشى العقول وطغى القلوب ظلاماً مثلما أتى
نيقوديموس ليلاً ليتكلم مع الكلمة المتجسد المتحد اتحاد حقيقي بطبعنا
الإنساني ، وبدأ نيقوديموس بحديث معقول لا ريب فيه" يا معلم ، نعلم أنك أتيت من الله معلماً ، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه " ( يو 3 : 2 )
وبالرغم
من هذا الحديث المعقول والمرتب والمقنع للعقل جداً ، والذي يظهر أنه من
غير المعقول أن يصنع أحد هذه الآيات إن لم يكن الله معه !! ؛ ولكن شخص ربنا يسوع المسيح الكلمة المتجسد صعق نيقوديموس بحديث وكلمات غير معقولة بالمرة بل ومنافية للعقل تماماً " أجاب يسوع وقال له : الحق الحق أقول لك ؛ إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " ( يو3 : 3 )
وبالطبع صُدم نيقوديموس صدمة عقلية شلت كل تفكيره فرد بتهكم على كلمات الرب يسوع كمصدوم بالحديث وكمذهول قائلاً " قال له نيقوديموس : كيف يُمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ ؟ ألَعَلّةُ يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد ؟ " ( يو3 : 4 )
[size=16][size=21]وهنا بدا أن كلام الرب يسوع غير منطقي تماماً ومنافي للعقل ، وفي الحقائق الإلهية التي من فوق ، مستحيل على العقل البشري المتابعة ، كما لو أردت أن تتابع ريحاً تهبُّ ...
[/size]فلنلاحظ
عدم استساغة نيقوديموس للكلام وتهكمه على المعنى ، أو ربما حاول أن يفهم ،
لأنه يبدو كلام الرب انه غير معقول تماماً ومنافي لكل عقل ومنطق ولا يقبل
أبداً على مستوى الفحص والخضوع للفلسفة والمناقشات الفكرية ، ورد ربنا
يسوع عليه موضحاً الإجابة على سؤاله :[/size][/size]
e]أجاب
يسوع : الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر
أن يدخل ملكوت الله . المولود من الجسد جسدِ هوَّ ، والمولود من الروح
هو روح . لا تتعجب إني قلت لك : ينبغي أن تولدوا من فوق . الريح تهب حيث
تشاء وتسمع صوتها ، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب . هكذا كل
من ولد من الروح ] ( بو3 : 5 )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وبالرغم من الرب قال له لا تتعجب ، فلازال يتعجب ويندهش ويرجع مرة أخرى للغير معقول ويغلب العقل وضعفه ويرد عليه قائلاً : " أجاب نيقوديموس وقال له : " كيف يمكن أن يكون هذا ؟ " ( يو3 : 9 )
أليس
هذا هو نفس كلماتنا ، أليس هذا هوَّ منطقنا الخاص حينما نعجز أمام سر
الله واتحاده بنا ونحاول أن نُمنطق كلمات الله ونحور الآيات لنخضعها
للمعقول وننفي منها الغير معقول ، ونصحح ونشرح كمدققين !!!
[b]من المستحيل – على الإطلاق – أن ندرك كلمات الله إدراكاً داخلياً إلا إذا استنار الذهن بالنعمة ، ونكون إنساناً روحياً جديداً ( إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة ، الأشياء العتيقة قد مضت ، هوذا الكل قد صار جديداً ) ، ( فتح ذهنهم
ليفهموا الكتب ) ، فانفتاح الذهن واستنارة العقل يجعلنا نُدهَشْ من
كلمات الرب ونؤمن وننال ونفرح ونتأصل ونتعمق ونثبُت ، ونفهم ونستوعب السرّ ،
ولكن يتعذر علينا – جداً – الفحص !!!ولكن سيظل ، في كل جيل ، وعلى مر العصور ، كلام المسيح إلهنا الحي ، ذات سلطان لا يزول ، فقد هدم نظرية المعقول والفحص العقلي القاصر على العجز البشري قائلاً : [ أجاب يسوع وقال : " أنت معلم إسرائيل ولا تعلم هذا ! الحق الحق أقول لك : إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ، ولستم تقبلون شهادتنا . إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون ، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات ؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء .....وهذه هي الدينونة : أن النور قد جاء إلى العالم ، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة ... " ( رجاء مراجعة يوحنا 3 : 1 إلى 21 وذلك للأهمية ) عموماً
نجد القديس بولس الرسول ، الذي تشرب من الرب يسوع لا منطق العقل
إنما حياة الروح ، صدم العالم كله بكلماته النارية وعصف بكل عقل يطلب
المعقول وينفي الغير معقول ولا يقبله : [ وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة ، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة الله ... وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المُقنع ( المعقول ) بل ببرهان الروح والقوة ، لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله ] ( راجع 1كو 2 : 1 – 19 وذلك للأهمية )واختم
هذا الكلمات الصغيرة ، والتي أتركها تصير نور لكل نفس تطلب معرفة أسرار
الله ، وأترك المساحة لله وحده أن يكشف مقصده الحلو من وراء كلماته
وأقوال الحياة الأبدية التي له وحده ، يكشفها لنا بعمق وأصالة عمل النعمة
في القلب بإشراق نور المسيح الحلو ، أختمها بكلمة للقديس كيرلس الكبير عامود الدين ، التي أعشقها جداً ، وأذكرها دائماً :إن كيفية الاتحاد عميقة وفائقة الوصف وفائقة لمداركنا .فمن الجهالة التامة أن نُخضع للبحث العقلي ما يفوق العقل وأن نحاول أن نُدرك بعقولنا الذي لا يُدرك بالعقل . أم لست تعلم أن ذلك السرّ العميق ينبغيأن يُعبد بإيمان بلا فحص !أما السؤال الجاهل " كيف يُمكن أن يكون هذا ؟ فإننا نتركه لنيقوديموس وأمثاله .أما نحن فإننا نقبل بدون تردد أقوال روح الله ونثق أن المسيح القائل : الحق الحق أقول لكم : إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا[/right]
[/b]
[b] عن تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس الكبير [/b]
[/size]