موقع سلفي | أربعوا على أنفسكم الانقلاب على الإسلام في مصر لن ينجح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]محمد بن شاكر الشريف
عندما قامت الثورة المباركة في 25/1/2011 وانتهت بخلع رئيسها "حسني" في 11/2/2011 استبشر الناس خيراً وظنوا أن زمان الطاغية والطغيان ولىَّ وأن زمان الشعب أقبل، وأن عودة الشعب إلى دينه الذي ظلّ مغيباً عنه في النواحي العامة (السياسة-الاقتصاد- القضاء- التعليم- الأخلاق) عقوداً من الزمن قد أزفت، وساعد على هذا الظن ما أبداه المجلس العسكري الحاكم في أول أمره من حيادية وأنه غير منحاز إلى المنظومة الفكرية التي خلفها النظام البائد، حيث أشرك في التعديلات الدستورية من يعد محسوباً على التيار الإسلامي وعندما أصدر الإعلان الدستوري أبقى على المادة الثانية في دستور 71 والمعدلة في عام 80 والتي تنص على أن ( دين الدولة الإسلام وأن اللغة العربية لغتها الرسمية وأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) ، ما يعني حرص المجلس على عدم إحداث أية تغييرات تتعلق بهوية الدولة، إلى أشياء أخر لا داعي لذكرها، رغم أن نص المادة الثانية بصورته الراهنة غير كاف- من وجهة نظري- في إفادة المطلوب، وكان يجب أن يعدل لتكون "نصوص الشريعة" بدلاً من "مبادئ الشريعة" ويضاف عليها لمزيد التأكيد "وكل تشريع سابق يعارض الشريعة الإسلامية فهو باطل يجب إلغاؤه، وكل تشريع لاحق يعارض الشريعة الإسلامية يقع باطلاً لا أثر له"، ، ولكن كثيراً من التيارات العلمانية والليبرالية وأصحاب الملل الأخرى لم يعجبهم المحافظة على هوية الأمة وضغطوا بكل سبيل من أجل إلغاء المرجعية الإسلامية، مرة يقولون: الدولة ينبغي أن لا يكون لها دين، ومرة يزعمون أن المادة الثانية مادة تمييزية بامتياز وثالثة يرددون أن مرجعية الكتاب والسنة يعنى أن تصبح الدولة ثيوقراطية، وهذا الضغط الداخلي متناغم مع الضغوط الخارجية التي تمارس على السلطات الحاكمة كي تظل مصر دولة تابعة خانعة للأخطبوط الأميركي ومن يدور في فلكه، وحتى لا يؤثر ما يجري فيها على المنطقة بأثرها لأنهم يعلمون أن ما يجري في مصر يجد صداه في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، ويبدو أن الهجمة كانت شديدة داخليا وخارجيا حتى بدأ من يتولون الأمور في الانحناء أمام العاصفة حينا والاعتدال حينا آخر، حيث بظهر من حين لآخر محاولة الالتفاف على الاستفتاء الذي وافق عليه الشعب في أول استفتاء حقيقي بالأغلبية المطلقة بنسبة أعلى من 77% ، وتغييب الإرادة الشعبية وتهديد المرجعية الإسلامية للدولة، وكان من آخر ذلك ما أعلن عن قيام المجلس العسكري بتكليف "د. أسامة الغزالي حرب" بإعداد وثيقة مبادئ حاكمة للدستور المصري، وهذا عين الانقلاب على الإرادة الشعبية وتمكيناً للأقليات (علمانيون-ليبراليون-نصارى-آخرون) من تحقيق مشروعها على حساب الأغلبية المسلمة، ومع إحسان الظن بالمجلس العسكري فيما أقدم عليه -وقد سبق منه ما يساعد على ذلك- فقد يكون لهم وجهة نظر تدعوهم إلى ذلك، ومع التمسك بظاهر الأمور -وقد سبق منه أيضاً ما يساعد على ذلك- فإن ظاهرها لا يبشر بخير، لأن ما حدث ينطوي على ازدراء للإرادة الشعبية والاستهانة بها وكأن جموع الشعب الواعي الذي قام بأعظم ثورة في التاريخ مجموعة من القاصرين الذين يحتاجون إلى الوصاية عليهم من قبل الراشدين، وبالنظر إلى مسألة وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور نجد أنها باطلة شكلاً وموضوعاً:
أما من حيث الشكل فقد عهد بها لشخص لا يتمتع بالحيادية الكافية كونه صاحب أيدلوجية خاصة يدعو لفصل الدين عن الدولة ويرفض أن تكون للدولة مرجعية دينية ويعترض على مقولة القرآن دستورنا والرسول زعيمنا ويرى أن المشكلات السياسية تحل بالرجوع للدستور والقانون وليس بالرجوع للقرآن، وهو في الوقت نفسه ممثل لأحد الأحزاب السياسية- الجبهة الديمقراطية- التي لها مصلحة سياسية تتعارض مع مصالح قوى سياسية أخرى ومن ثم فإنه لا يصلح أن يكون حكما في ذلك، وهو بلا شك اختيار غير موفق ويعطي إشارة إيجابية لكل القوى الرافضة للتوجه الإسلامي لمصر مع أن عز المصريين في التمسك بالإسلام وليس هناك أية فترة زمنية مرت بمصر على مدة أربعة عشر قرناً كانت مصر فيها عزيزة قوية إلا في ظل تمسكها بالإسلام، ولو عهد بها لشخص مثل المستشار "طارق البشري" وهو قامة قانونية ودستورية ورجل ليس له انتماء بعيد عن الانتماء الوطني لأمكن أن يقال إن الاعتراض الشكلي ساقط، لكن لو فرض سقوط الاعتراض الشكلي فيبقى الاعتراض الموضوعي قائماً وهو أهم، ذلك أن وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور تمثل قيداً وحجراً على نواب الشعب الأصلاء حيث لا يمكنهم الخروج عنها فتكون النتيجة أن شخصاً أو حفنة من الأشخاص يقيدون رأي الشعب الممثل في نوابه، إن القوم ظلوا يزرعون الأرض شرقاً وغرباً جيئةً وذهاباً صائحين بأعلى صوتهم لا بديل عن الديمقراطية وأن الديمقراطية في أبسط صورها أن تكون الكلمة للشعب وحده والتي تعرف عن طريق صندوق الانتخابات، وعندما كانوا يزورون الانتخابات يقولون: بيننا وبينكم نتائج الانتخابات والكلمة النهائية يحددها صندوق الانتخابات، فلما حان وقت العمل، وزال النظام الذي كان يزور إرادة الشعب، وظنوا أن الانتخابات سوف تأتي بالإسلاميين لأن الشارع لهم والبلد مسلم والشعب بحمد الله مع دينه لم يتنكر له، أرادوا حرمان الإسلاميين من حقهم الشرعي والواقعي بمثل هذه الوثائق، والشيء الذي لا يمكن لعاقل أن يقبله أن يقال: "هذه الوثيقة جزء لا يتجزأ من الدستور، والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد"، كيف لفكر بشري مهما بلغ من السمو والرقي أن يقال عنه هذا الكلام، إن هذا التعبير يمثل الطغيان في أوضح صوره وهو مناظر لقول عدو الله فرعون عندما قال لقومه "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" لقد ظل القوم يحاربوننا عندما نقول مثل هذا الكلام عن الدين الذي أنزله الله ربنا ورضيه لنا دينا، ويطلبون منا أن نتنازل عن بعض أحكامه التي لا تروق لهم ويرموننا بتهمة التخلف والرجعية وأننا نريد الاحتكام لشريعة نزلت في غير زماننا، فلما دارت عليهم دورة الزمن أذا بهم يريدون أن يجعلوا لكلامهم القداسة بحيث لا يجوز الاعتراض عليه أو مخالفته بل الأدهى والأمر يريدون جعل ذلك على الدوام فتعم وثيقتهم جيلهم والأجيال اللاحقة لأن وثيقتهم الفاسدة " غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد"، كيف لعاقل يحترم عقله ويحترم عقول الآخرين وآدميتهم أن يجعل من كلام مجموعة من البشر قلوا أو كثروا قيداً على إرادات أجيال لاحقة بحيث لا تملك الاجيال اللاحقة تغييرها أو تعديلها أو تقييدها، هل هي صالحة لكل زمان ومكان، هل هي تنزيل من حكيم حميد، الحقيقة لا أكاد أرى سبة تلحق بالشعب المصري أكثر من إقرار هذه الوثيقة وجعلها حاكمة على الأجيال.
إن من يريدون إقرار هذا المفهوم هم بحق رجعيون متخلفون يريدون لإرادات قوم أكل الدود أجسادهم ونخرت عظامهم وصاروا هباء منثوراً أن تحكم أجيال لا حقة لهم إرادات وعلوم ومعارف معايرة، إن هذا الأمر لا يكون لأنه ضد طبيعة الحياة وتقلباتها وتطوراتها، ولو أقرت تلك الوثيقة بأية طريقة كان فلسوف تسقط ولا تستمر، سواء بانقلاب عسكري أو ثورة أو أية طريقة أخرى، لقد صدر دستور عام 1971 تحت مسمى الدستور الدائم ومنذ ذلك الزمن تعرض لعدة تغييرات إلى أن سقط كلية في 2011 بعد أربعين سنة أي أقل من نصف قرن من الزمان.
نحن على استعداد أن نوافق على المسمى إذا كانت الوثيقة الحاكمة مستنبطة من كتب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى رب الجميع ليس بينه وبين خلقه نسب أو رحم فهو تعالى لا يحابي أحداً من خلقه فلا تكون شريعته لمصلحة قوم دون آخرين، أما أن تكون الوثيقة من وضع البشر بعيداً عن هداية الرحمن فلا ثم لا .
إن إحسان الظنّ بالمجلس العسكري أو الحكومة أو أن هذا الأمر لا يكون أو لا يستمر لا يكفي في إفساد هذا الالتفاف على الشعب وفرض الوصاية عليه وإنزاله منزلة التابع غير الرشيد بل لا بد من العمل وسنة التدافع بين الحق والباطل برهان على ذلك.
فإذا كانت هناك ضغوط من الأقليات عن طريق الاعتصامات وجذب العامة معهم من خلال بعض الشعارات التي يوافق عليها الجميع، أو من الدول الاستعمارية الكبرى مصاصة دماء الشعوب المستضعفة لصالح رفاهية شعوبها والمعادية لكل توجه إسلامي، فلا بد للإسلاميين أن يقوموا بعمل قوي ليس مكافئاً بل أقوى بكثير مما تقوم به الأقليات ليعادل أو يزيد في التأثير عما تقوم به الأقليات حتى لا يكون المجلس والحكومة خاضعان لجهة ضغط واحدة تميل الكفة في صالحها، بل لا بد من إشعار الجميع أن الشعب وفي مقدمتهم الإسلاميون لا يقبلون الوصاية أو هيمنة الأقلية على الأكثرية أو الانقلاب على دين الأمة.
أيها الإسلاميون لقد جد الجد وحان وقت العمل والتأخير فيه يعني خسارة قد لا تعوض فأروا الله من نفسكم غضبة لدينه وحقكم في أن تكونوا عبيداً له وحده دون غيره، والطريق معلوم لكم مسلوك قد سلكتموه في إسقاط المخلوع فجدوا واجتهدوا والبدار البدار وإياكم من التقاعس أو الاتكال على الآخرين.
وفي آخر هذه الكلمة أوجه ندائي لسلطات الحكم في مصر أن اتقوا الله واعلموا أن الله تعالى قد أهلك من قبلكم من هو أشدّ منكم قوة وأكثر جمعاً، وأنتم عما قريب تقدمون على ربكم لا يحجزه عنكم حاجز ولا يمنعه منكم مانع فيحاسبكم عما كسبته أيديكم وتكلمت به ألسنتكم والفرصة أمامكم لتكسبوا عز الدنيا وسعادة الآخرة وتدخلوا تاريخ المجد والفخار فلا تضيعوها، فأنتم الآن في الغرف المكيفة آمنون وبعد قليل أنتم تحت التراب منفردون خائفون قد زال عنكم كل سلطان وكل حراسة فلا تملك أن تمنع دودة الأرض وهي تنهش من لحمك ودمك والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه.
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد